iklan banner

فقه اللغة نشأته و تطوره



فقه اللغة نشأته و تطوره
أ. مفهوم فقه اللغة و أغراضه
١. تعريف فقه اللغة باعتبار مفرديه
تعريف كلمة (فقه): الفقه هو العلم بالشيء و الفهم له، و الفطنة فيه. يقال: فقه الرجل فقاهة إذا صار فقيها. وبعض العلماء يرى أن الفقه أخص من العلم.
و قد وردت كلمة (فقه) في القرآن الكريم عشرين مرة، فمن ذلك قوله تعالى: "فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوْا فِيْ الدِّيْنِ"[1].
و قد غلب استعمال (الفقه) على علوم الدين لشرفها، و ذلك من تخصيص الدلالة، ولكنه يستعمل في غير علوم الدين بقرينة.
تعريف كلمة (اللغة): اللغة مشتقة من لغا – يلغو - لغوا. و أما في الاصطلاح فعرفت بتعريفات عديدة. فقال مصطفى الغلايين في كتاب جامع الدروس: "اللغة هي ألفاظ يعبر بها كل قوم عن مقاصدهم"[2]، و قال أحمد مختار عمر: "اللغة هي كل نطق أو كتابة أو إشارة يعبر بها كل قوم عن مقاصدهم"، و قال أريسطو: "اللغة هي الرمز". و لكن أشهر التعريفات ما ذكره ابن جني أن اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"[3].

٢. تعريف فقه اللغة باعتبار تركيبه
تعريف فقه اللغة لغة هو: فهم اللغة و العلم بها.
وتعريفه في الاصطلاح: العلم الذي يعني بدراسة قضايا اللغة من حيث أصواتها و مفرداتها و تراكيبها و في خصائصها الصوتية و الصرفية و النحوية و الدلالية و ما يطرأ عليها من تغييرات و ما ينشأ من لهجات و ما يثار حول العربية من قضايا[4].
و يمكن بتعريف موجز هو: علم يبحث في نشأتها و تمييز أصولها من فروعها و حفظ هذه الالفاظ و فهم معانيها[5].
٣. أغراض فقه اللغة
لا شك من دراسة فقه اللغة أغراض مرجوة، منها:
‌أ.          تيسير تحصيل اللغة بتوقيف الطالب على الالفاظ التي يجهلها، و الخاصة بالمعاني التي يعملها حتى تكثر لديه المفردات فلا يعوزه التعبير عن أي معنى من المعاني.
‌ب.    الوقوف على التاريخ الفطري القديم للأمة، و التعرف على مبلغ حضارتها ما بلغته لغتها من الرقي و الانحطاط.
‌ج.     تسهيل فهم اللغة حتى يمكن ارجاع كثير من الكلمات إلى اصولها نشأت عنها. فمثلا إذا عرفنا أن "الملك" في الاصل هو الربط الوثيق و الشد، استطعنا ان نرجع الى ماتركب من هذه المادة إلى هذا المعنى العام فالملك الذي هو السلطان و الملك الذي هو حيازة الشيء و الاستبداد به و الملك الذي هو العجين كلها ترجع إلى ذلك المعنى العام لما فيها كلها من الربط و الشد.
‌د.        التمكن من النطق السليم.

ب. بين فقه اللغة و علم اللغة:
الفقه هو الفهم و ربما خصص لعلوم الشريعة و الدين. فقد قال الرسول عليه الصلاة و السلام: "من أراد الله به خيرا فقهه في الدين".
و من هنا بتبين لنا وجود المطابقة من الناحية اللغوية يبن الفقه و العلم، و بهذا أخذ عدد من العلماء و الباحثين اللغويين فلم يفرقوا بين العلمين، وإنما جعلوا (فقه اللغة و علم اللغة) مصطلحين لمفهوم واحد أو علم واحد.
ومن أبرز هؤلاء العلماء المعاصرين الاستاذ الدكتور صبحي الصالح، الذي قال في كتابه (دراسات في علم اللغة): "من العسير تحديد الفروق الدقيقة بين علم اللغة و فقه اللغة لان جل مباحثهما متداخل لدى طائفة من العلماء في الشرق و الغرب، فديما و حديثا، وقد سمح هذا التداخل أحيانا باطلاق كل من التسميتين على الاخرى.[6]
و الحقيقة أن العرب لا يعرفون هذا الاصطلاح (فقه اللغة)، إلا في أواخر القرن الرابع الهجري، وربما أول من استخدم هذا المصطلح هو أحمد بن فارس،سنة ٣٩٥ه، عنوانا لمؤلفه " الصاحبي في فقه اللغة و سنن العرب في كلامها ".
ويلاحظ بعد ذلك استعمال هذا المصطلح عند عدد من العلماء مثل الثعلبي (ت٤٢٩) في كتابه " فقه اللغة و سر العربية " ولكن عند رأي الباحثين المعاصرين أن في موضوعاته لا تمثل عن فقه اللغة. وبالعكس منهم لا يستعمل هذا المصطلح و لكن موضوعاته تحتوي على مباحث فقه اللغة مثل كتاب ابن جني (ت ٣٩٢) بعنوان " الخصائص ".
في العصر الحديث و بعد أن تقدمت البحوث اللغوية لا سيما في الدراسات اللسانية العربية ومنذ أن ظهر العالم اللغوي السويسري فرديناند دي سويسر الذى دعا إلى الفصل بين الدراسات اللغوية وفق منهج علمي موضوعي يتمثل في دراسة اللغة بذاتها ولذاتها و بين المنهج التاريخي.
هنا بدأ الفصل بين علمين مستقلين هما فقه اللغة أو الفيلولوجيا حسب المصطلح الغربي و علم اللغة.
ومن البحوث اللغوية الفيلولوجيا وهو بحث غير محدد النطاق و لا متميز الحدود، وذلك أن مدلول هذه الكلمة قد اختلف كثيرا باختلاف العصور و الامم، و لا يزال العلماء يختلفون في فهمها و اطلاقها.
  وإذا لاحظنا تاريخ هذا المصطلح، فالفيلولوجيا كلمة مركبة من لفظين إغريقيين أحدهما بمعنى الصديق و الثاني بمعنى الخطبة أو الكلام. و كان واضع التسمية لاحظ أن فقه اللغة يحب الكلام للتعمق في دراسته من حيث قواعده و أصول تاريخه.[7]
ومن هنا نرى أن مصطلح الفيلولوجيا لم يكن واضحا حيث استعملت مصطلحات اخرى من قبل و شمل بحوثا لغوية مختلفة مثل النحو و الصرف و البلاغة و أدب اللغة و تاريخ أدب اللغة و النصوص القديمة. ويعتقد بعضهم أنه يشمل بحوث علم اللغة بالاضافة إلى جميع الفنون اللغوية و الادبية و تاريخ العلوم بشكل عام.[8]
و بالتالي موجز المراحل التي مرت بها الدراسات اللغوية في الغرب:
١. مرحلة ما يسمى بالقواعد، و قد شيدها الاغريق و تابعها الفرنسيون وهي تعتمد المنطق و المعيارية وترمي إلى تقديم القواعد لتمييز الصيغ الصحيحة.
٢. مرحلة فقه اللغة و نشأت في مدرسة الاسكندرية و تنصب الدراسة فيها على النصوص القديمة المكتوبة.
٣.  النحو المقارن، بدأت هذه الدراسة باكتشاف اللغة السنسكريتية (الهندية القديمة) و كانت في البداية عند علماء الهند و أوربية ذات منهج طبيعي.
٤. و في الثلاثنيات من القرن العشرين ظهرت المدرسة البنوية التي لا تعتمد على معايير خارجة عن اللغة، فاللغة منظومة لا تعترف إلا بنظامها الخاص و قد تم تطوير هذا الاتجاه في أمريكا[9].
وبعد ذلك تعدد الاتجاهات البنوية في أمريكا و أوروبا حتى صار ما يعرف بالمدارس اللسانية الحديثة.
ولو رجعنا الآن إلى التمييز بين فقه اللغة و علم اللغة يمكن أن نذكر أن الفرق الرئيسي كما يلي:
١. يعتمد علم اللغة على المنهج الوصفي الآني للنصوص اللغوية، بينم فقه اللغة يعتمد على المنهج التاريخي التطوري المقارن.
٢. تنصب الدراسة في علم اللغة على النصوص الحية و خاصة الشفوية، و فقه اللغة تهتم بالنصوص المكتوبة و القديمة بشكل خاص بالاضافة إلى المخطزطات و النقوش.
٣. يهدف علم اللغة إلى دراسة النظام اللغوي في البنية اللغوية و بنما فقه اللغة يهدف إلى دراسة اللغة بحد ذاتها إلى الوصول إلى معلومات تتعلق بالتاريخ و الثقافة و العادات و التقاليد و غير ذلكمما يمكن استنباطه من النص اللغوي.
٤. إن موضوع فقه اللغة لا يختص بدراسة اللغات فقط، و لكن يجمع إلى ذلك دراسات يشمل الثقافة و التاريخ و التقاليد و النتاج الادبي للغات موضوع الدراسة. و أما علم اللغة فيركز على اللغة نفسها و لكن مع اشارات عابرة أحيانا إلى فيم ثقافية و تارخية، و يكون معظم إهتمانته للغة المتكلمة و إن كان يوجه كذلك للغة المكتوبة شيئا من الاهتمام.[10]

الباب الثالث
خلاصة
1.   فقه اللغة هو علم يعني بدراسة قضايا اللغة من حيث أصواتها و مفرداتها و تراكيبها و في خصائصها الصوتية و الصرفية و النحوية و الدلالية و ما يطرأ عليها من تغييرات و ما ينشأ من لهجات و ما يثار حول العربية من قضايا.


2.   أغراض فقه اللغة كثيرة، ومن أهمها:
‌أ.          تيسير تحصيل اللغة بتوقيف الطالب على الالفاظ التي يجهلها، و الخاصة بالمعاني التي يعملها حتى تكثر لديه المفردات فلا يعوزه التعبير عن أي معنى من المعاني.
‌ب.    الوقوف على التاريخ الفطري القديم للأمة، و التعرف على مبلغ حضارتها ما بلغته لغتها من الرقي و الانحطاط.
‌ج.     تسهيل فهم اللغة حتى يمكن ارجاع كثير من الكلمات إلى اصولها نشأت عنها.
‌د.        التمكن من النطق السليم.
3.   الفرق بين علم اللغة و فقه اللغة:
فقه اللغة لا يختص بدراسة اللغات فقط، و لكن يجمع إلى ذلك دراسات يشمل الثقافة و التاريخ و التقاليد و النتاج الادبي للغات موضوع الدراسة. و أما علم اللغة فيركز على اللغة نفسها و لكن مع اشارات عابرة أحيانا إلى فيم ثقافية و تارخية، و يكون معظم إهتمانته للغة المتكلمة و إن كان يوجه كذلك للغة المكتوبة شيئا من الاهتمام.

هذه المقالة التي كتبها هند في قسم تعليم اللغة العربية في كلية الدراسات العليا جامعة سونان أمبل الإسلامية الحلومية بسورابايا



المراجع
القرآن الكريم
مصطفى الغلايين، جامع الدروس العربية، ط الاولى، (بيروت : المكتبة العصرية 2004)
أبو الفتح ابن جني، الخصائص، 1/33، عالم الكتب.
صبحي صالح، دراسات في فقه اللغة، بيروت دار العلم، ط الاولى، 1960
أوريل بحرين، فقه اللغة العربية، ط الاولى، جامعة مولانا ملك إبراهيم:2009
محمد شرف الدين الجوهري، فقه اللغة العربية
علي عبد الواحد وافي، علم اللغة، (القاهرة:نهضة مصر، ط5، 2005)
ماريوباي، أسس علم اللغة، (القاهرة:عالم الكتب، ط8، 1998)


[1]  القرآن الكريم، سورة التوبة: ٩
[2]  مصطفى الغلايين، جامع الدروس العربية، ط الاولى، (بيروت : المكتبة العصرية 2004) ص9
[3]  أبو الفتح ابن جني، الخصائص، 1/33، عالم الكتب.
[4]  أوريل بحرين، فقه اللغة العربية، ط الاولى، جامعة مولانا ملك إبراهيم:2009، ص 32.
[5]  محمد شرف الدين الجوهري، فقه اللغة العربية، ص1.
[6]  صبحي صالح، دراسات في فقه اللغة، بيروت دار العلم، ط1، 1960، ص 19
[7]  المرجع السابق ص 20
[8]  علي عبد الواحد وافي، علم اللغة، (القاهرة:نهضة مصر، ط5، 2005) ص15
[9]  أوريل بحرين، فقه اللغة العربية، ط الاولى، جامعة مولانا ملك إبراهيم:2009، ص 37..

[10]  ماريوباي، أسس علم اللغة، (القاهرة:عالم الكتب، ط8، 1998)، ص 35
Previous
This is the oldest page
Thanks for your comment